أية بريس-AYAPRESSE.COM

الشعر المغربي الحديث والمعاصر العلاقة والامتداد.

مراد يوسفي / المغرب.
يندرج الشعر المغربي ضمن سياقات الواقع المجتمعي والثقافي والسياسي، تثبيتا لمستويات مختلفة، كالهوية والذاكرة والحب والتسامح، ولعل هذا المنطلق الموضوعي، يحدث تفاعلا واضحا، والذي ما من شأنه يبقي ذلك الامتداد العربي والإسلامي، يؤسس للقول الشعري عامة، في حدود الممكنات المفتوحة على العوالم الجغرافية، لإطلاق شريط التاريخ الذي يسجل الرهانات الشعرية العربية والمغربية خصوصا، إن صح التعبير، التي نضجت وتعدتها إلى مستوى الكونية، لتأصيل القيم لهذا الإنسان.
فما علاقة الشعر بالإنسان ؟ ومن أين يأتي هذا الشعر؟ ولمن؟ وكيف للمغاربة الذين أسهموا في القول الشعري بكل ما أوتوا من استطاعة، بمنطق الهوية والارتباط بالذاكرة في مواجهة القضايا العالقة، إرضاء لهذا التاريخ الذي يكرس عجلاته في نفس الاتجاه، عمرانا وحضارة ؟، ألم يكن الشعر المغربي في علاقة مباشرة بالأدب الأندلسي، الذي كان هو الآخر مرتبطا بالأدب المشرقي عبر الغزوات التي شهدتها المراحل..آن داك؟.
لقد عرف الشعر المغربي امتداده الطبيعي، في تناول كل القضايا الراهنة مستثمرا المادة التاريخية لكل الشعوب والحضارات، فوجد نفسه يقتسم اهتمامات مشتركة، إذن فالشعر المغربي تاريخ ممتد بامتياز، كذلك في انفتاحه أيضا، ” كما مثلت طنجة بوابة الإنفتاح مع حداثة الغرب… ” .
إن الشعر المغربي يخوض غمار التجديد والتجريب معا، إرساء لمزيد من البناء والجودة، إذ من خلاله وعبره يكرس ثقافة السلام والتعايش، لإشاعة الحب والاستقرار، لكن هل يمكن تصنيف الشعر، بتقطيع جغرافي، في حين أن اللغة واحدة ومشتركة، حتى نسميه شعرا مغربيا، على اعتبار أن النص الشعري عامة يتجاوز حدود الزمان والمكان؟
لقد تناول هذا الموضوع في قضية الشعر المغربي، كشعر قومي أيضا كثير من الدارسين والمهتمين…، يقول شعيب أوعزوز: ” والمتتبع للشعر القومي في المغرب يلاحظ أن جزء كبيرا من هذا الشعر، يضرب على وتر الوحدة القومية ويدعو إلى التمسك بها ونبذ التفرقة، وأن الشعراء لا يدعون مناسبة دون أن يعبروا فيها عن العروبة والوحدة، وعن ارتباط المغرب بالمشرق العربي” ، لقد تناول الشعر المغربي قضايا عديدة، وما الشعر القومي إلا واحدا من القضايا الشعرية المغربية، التي تحدثنا عنها سلفا، كالوجدانيات وغيرها، مما حوتها القصيدة المغربية الحديثة من تجارب وتراكمات، فكل المقاربات خضعت لهذا القول الفني الأدبي الذي هو الشعر، ليصبح في عداد التجارب الأدبية، المحفوظة في الذاكرة الجماعية العربية بين شرقه وغربه .
تتحدد الإشكالية في تناول القول الشعري المغربي الحديث، بالضبط في قصيدة النثر، التي ارتفعت موجة كتابتها بشكل ملحوظ، إذ تناولتها الدراسات والأبحاث، رغبة منها في تكريسه، باعتباره منتجا حاضرا في الساحة الإبداعية، وقد تناول هذا الموضوع، محمد بنيس في سياق درسه النقدي يقول: ” وتصورنا الذي ننطلق منه في قراءة الخطاب الشعري لا يفصل بين الشعر والنثر على أساس العروض، بل هو أساسا يرتكز على مستوى تكثيف الدوال في الخطاب وحضور الذات الكاتبة في خطابها، وليس العروض في هذه الحالة إلا دالا من بين الدوال الأخرى…” ، وكثير ماهو مبثوث في المصادر التي تناولت الدرس الشعري المغربي الذي تجاوز حدود البنيات المركزية.
وتبعا لما يمكن أن نرصده عن أحوال الشعر والشعراء، فإن الثقافة المغربية ضامنة هذا الاستمرار الأنطولوجي، لمأسسة المجتمع القيمي بشيء اسمه الشعر.
شيء عن الصورة الشعرية:
وحيث نجد أن الشعر موجة دافقة على مر العصور والأزمان، متجاوزا الحدود كلها في آن واحد، نجد أنه يركب وضعيات إنسانية مختلفة في ترتيب الذاكرة وإشعارها بالهوية من خلال نمذجته -الشعر- للواقع العربي… والصور الشعرية الكثيرة تتفاعل حسب تلك التمثلات السابقة معنى ولفظا في طريق الحياة العامة قديمه وحديثه. هل كان وافيا بما يقدمه الشعر من جداراته، في أفق الحداثة التي أخرجت انشغالا شعريا صرفا، وهو المراهن على حالات الإنسان في انفعالاته النفسية، والذات وقلقها اليومي، لتكون الكتابة هي الحل الفني الأخير كأسلوب وطريقة للمواجهة؟، أزمات تستكثر خير الشعر وفضله، إنتاجا لحرارة القول الأدبي عامة شعرا ونثرا…،الصورة الشعرية ، نقطة تماس تبين أشكال العلاقات العميقة المشفوعة بفنيات مركوزة على هذا الحس الإبداعي القوي، يقول شعيب أوعزوز: ” وحين ننظر إلى الصورة الشعرية عند شعرائنا المحدثين والمعاصرين نجد أنها قد جاءت متفاوتة في درجة فنيتها وفاعليتها، فهي عند كثير من الشعراء لا تعدو الوصف التقريري والتمثيل الحسي للتجربة الشعرية، غايتها توضيح المعنى وتأكيده.
وهي عند البعض الآخر تتخطى حدود الوصف الظاهري للأشياء، وعقد المقارنات الحسية بينها، إلى أفق رؤيوي يتحلحل فيه نظام المعرفة الحسية والعقلية، ويتغير فيه نظام اللغة ومدلولاتها المعجمية” ، من هنا، يتضح لنا قدرة الشعر في اقتحام اللغة ليرتد إلى فعل الكتابة بأدوات مختلفة وإمكانات تعتمد المعجم والدلالة فنا وتركيبا…، ولا يزال الشعر ينضج فينا العديد من الرؤى والممارسات، وخوض غمار تحولات نظمه وتخير ألفاظه.
لكن، هناك إشارة تفيد من حيث التعبير بالصورة الشعرية التي باتت الأداة المهمة، المسعفة في الصناعة الشعرية، ومن حيث هي كذلك، ناهيك عن التيارات والمدارس بشعرائها المرتبطين بتجاربهم الذاتية،.. ” هو أن الشاعر الحديث لم يعد يهتم بتحرير أخيلته من تسلط التراث البياني عليها، وربطها بتجربته الجديدة فحسب، بل تعدى ذلك إلى الدأب على توسيع أفق الصورة نفسها، لتتسع لأكبر قدر من الاحتمالات المتصلة بأعماق التجربة،…” ، فأصبح الشعر مقبلا على العوالم المفتوحة بالاحتمالات بقلة الأجوبة في مواجهة الأسئلة العريضة المنبثقة من فلسفة الوجود، فضاقت العبارة أمام ششاعة الكون لرسم إطار التجلي، والتشوف إلى تلك الرؤى التي تعيش أسرارها الملغزة، تارة بالأسطورة وتارة أخرى بالرمز والإنزياح، لإزاحة واقع يعيد جدلية الموت والحياة بطريقة أو بأخرى.
أشكال الشعر:
هل الشعر تتعدد أشكاله كما هو الحال في كثير مما نقرأ ونصادف؟، تلك تجارب متعددة، تشكل واجهة الخطاب العربي في طياته الكثير من الأحاسيس المغمورة، بشتى الأغراض، وحده العربي الذي في حوزته تراثا زاخرا من الشعر والنثر معا، لا زال حيا بيننا يتجاوز حدود البنيات المركزية. أشكال الشعر غيرتها مراحل التاريخ وعوامل شتى، هذا التراث أكد من طرف خفي أننا قادرين فوق خط الامتداد على مزيد من الخلق والإبداع، لنشكل إنتاجات شعرية عربية واحدة، إلى أن وصلنا إلى ظاهرة جديدة في شعرنا الحديث والمعاصر، حتى وإن تعددت أسباب أشكاله، وطرق صناعته واختياره اللفظ الذي يجعل المعنى راكبا جماليات صوغه، واستمالة النفوس إليه على شرطية الجودة، بكل ما يكتنز من موسيقى وإيقاع وصور يبقى شعرا واحدا، رغم ما أصابت لغة هذا الشعر من تحولات… بالرجوع إلى مستوى الشكل، ” نخلص من ذلك كله إلى أن الشكل في الشعر الحديث شكل ينمو وليس شكلا بلغ ذروة النمو، وأن مثل هذا النمو لا يمكن أن يتم في الزمن المحدود الذي يلزم لكتابة قصيدة واحدة،…” لقد أفاد الناقد أحمد المعداوي الملقب بالمجاطي في موضوع الدرس النقدي، من خلال مستويات عدة، منها الموسيقى في الشعر والصورة الشعرية ولغتها ، بما في ذلك ارتباطها بالتجربة أيضا، وما يهم الباحث ليلم بالظاهرة التي عرفها الشعر الحديث، كما أعطى ملاحظة حول قضية النمو والتطور في الشعر من حيث الشكل، إنما هو قانون ” يشمل فيما يشمله اللغة التي تعتبر جزءا من شكل القصيدة الجديدة،…”
لقد بات البحث في هذا الباب أمرا مفتوحا وموسعا، في حدود التجارب حسب ماهو مبثوث في المصادر التي تطرقت إلى موضوع شكل القصيدة العربية بين الشرق والغرب، وما يضاف إلى ذلك من مستجدات أكاديمية، تضع المقاربات الموضوعية لها، ويبدو أن أمر التحول حتمي، مادام العالم يموج في تغيرات سريعة في كافة الأصعدة بمد الجسور الثقافية والترجمات، رغبة منها وشهوة في مزيد من الشعر الذي أصبح فيه حمولة معرفية يؤكد المرجعية القرائية من خلال إعادة الإنتاج لأسس ثابتة لمعايشة إيجابيات الحداثة..
خاتمة:
يمكن أن نجيب على أن الشعر ميزة إنسانية، تفرد بها هذا الكائن الغريب الأطوار -والذي قيل عنه ” ما الإنسان لولا اللسان، إلا ضالة مهملة أو بهيمة مرسلة” -، ليعبر عن كل ما يجيش في خاطره من إحساس مرهف وعن ما حوله، ما يحيط ويحاط به في آن، متفاعلا مع الآخر والطبيعة، والعوالم المختلفة في تاريخه الطويل، ولعل هذا الشعر احتفظ بأخبار الزمن الطويل وما راكمه من أحداث لم تكسبها كتب التاريخ ولا الأخبار المروية من جيل إلى جيل أو عبر السلالات، وكان للشعر الذي تفجرت عيونه في أعماق القرائح، فالتقت مياه القصائد الرائدة من شعر المعلقات وغيرها كثير وزاخر حد الذهول، ليتبين أن علاقة الشعر بالإنسان علاقة تأثير وتأثر/ تفاعل وانفعال، ليكن في أساسه رسالة إلى التاريخ ليحفظ حدود اللانهاية لهذا الجنس الأدبي الذي يواصل طاقته فينا، وإلى أي حد يمكن أن يكون كذلك؟، لقد عرف الشعر المغربي في علاقته بالتصوف تجربة رائدة خالدة، فلم يغفل قوله الشعري بالرجات الصوفية (شعر التصوف) وهو مسار تاريخ مغربي، خرج من منابع الزوايا التي عرفتها قبائل المغرب، بحيث كان العلماء يوشحون أشعارهم بقرينة المعرفة الرمزية الغامضة والمستغلقة، بالإشارات التي تكفي لخوض غمار مغرق في الصناعة الفهومية بأنوار الكشف الرباني، ضربا في أفق يفتتح بالبداية على المستقبل الغائب…
ينفتح الشعر كما ننفتح عليه بوعي الممارسة والإدراك، في بناء مستويات الكلام حول الشعر، وخاصة أنه قد أخذ نصيبه في التصوف، كونه لا يغفل سائر المقومات التي بها نسميه شعرا بركائز بنيات الإيقاع والموسيقى والصور الفنية، لاستكمال الفتح العارف بعوالم واسعة من التخيل والتخييل معا، كما السماع في تجل ذوقي خاص، لذلك تراهم في اختصاص أشعارهم يتفاعلون مع لحظات التماهي وغمرة الحلول، بمختلف ما يملكون من أذواق وأشكال المتعة في حضرة الجمال الروحي العالي، فليس موضوع التصوف هو مجال البحث، فقط أردنا أن نبين، إلى أي حد تغلغل هذا الشعر ليبلغ مدى اختراقه الخصب لكل مجالات الحياة حتى التعبدية منها، وفي علاقاتنا العامة ؟، إذ نرى أن هذا الشعر امتداد غامض واضح، مفتوح مغلق بطيء سريع، سهل عصي، زئبقي بالاختصار، يرضي أحاسيسنا، يركب غمرتها بنبض رقيق مغاير المشاعر…

الهوامش:
1-حورية الخمليشي .جريدة الاتحاد الاشتراكي عن الملحق الثقافي عدد: 10,985 ص:2. الجمعة 17 أبريل 2015.
2-شعيب أوعزوز. كتاب الاتجاه القومي في الشعر المغربي الحديث والمعاصر 1917_1984 / ص.166/ مطبعة الأمنية –الرباط. ط أولى 2005 م
3-محمد بنيس. الشعر العربي الحديث بنياته وإبدالاته 2. الرومانسية العربية ص95 دار توبقال للنشر . ط الثانية 2001م.
4-شعيب أوعزوز. اللغة الشعرية في القصيدة القومية المغربية الحديثة والمعاصرة 1917-1991 ص315 مطبعة الأمنية-الرباط ط الأولى 2004م
5 -أحمد المعداوي-المجاطي. ظاهرة الشعر الحديث ص221. شركة النشر والتوزيع المدارس- الدار البيضاء ط الثانية 2007م
6- المصدر نفسه ص 200..
7-المصدر نفسه ص 201.